لماذا أدّى مؤتمر آبل في سبتمبر إلى تراجع أسهم الشركة؟
إنه الوقت المفضل في السنة لعشّاق التكنولوجيا. بالنسبة لهم، فمؤتمر آبل في سبتمبر يُعد بالنسبة لهم أشبه بليلة عيد الميلاد.
ففي مؤتمرها بتاريخ 9 سبتمبر هذا العام، كشفت آبل عن ابتكارات جريئة، من هاتف iPhone Air الجديد إلى ميزة الترجمة الفورية في AirPods Pro 3. وبدا الحدث في ظاهره كعرض مصمم لجذب الانتباه وإطلاق موجة من الزخم.
لكن السوق كان له رأي آخر.
فعلى الرغم من وصف آبل للحدث بأنه "مذهل"، أُغلقت الجلسة بانخفاض سهم الشركة بنسبة 1.5%، تلاها تراجع إضافي بنسبة 3.23% في اليوم التالي. وبحلول 11 سبتمبر، أظهرت السوق إشارات على البحث عن اتجاه واضح، لكن لم تظهر بعد أي إشارات واضحة للتعافي.
فلماذا أثارت هذه الإعلانات الكبيرة الحذر بدلاً من الحماس؟ الحقيقة أن الأمر مرتبط بعلم نفس التداول أكثر من منتجات آبل نفسها.
دعونا نحلّل القوة العاطفية الكامنة وراء الحدث وردّة الفعل التي تلته.
فهم ديناميكيات السوق
أصبح مؤتمر آبل في سبتمبر الحدث الأهم في تقويمها السنوي، والمنصة التي ينتظر فيها العالم أحدث ثورات التكنولوجيا.
ومنذ عام 2011، حين غيّرت آبل موعد الكشف عن أحدث تطورات iPhone من الصيف إلى سبتمبر، تطور الحدث ليصبح أهم عرض في تاريخ الشركة:
في 2014، قدّمت آبل ساعتها الذكية وخدمة Apple Pay، لتعيد تعريف عالم الأجهزة القابلة للارتداء والدفع الإلكتروني.
في 2016، أعلنت عن AirPods، لتغير طريقة استماعنا للموسيقى.
في 2017، جاء iPhone X بميزة Face ID وشاشة OLED ممتدة من الحافة إلى الحافة، وأعاد رسم ملامح تصميم الهواتف الذكية.
هذه الإنجازات التقنية شكّلت توقّعاً جماعياً لدى الجمهور والمستثمرين بأن سبتمبر سيكون دائماً لحظة آبل الحاسمة كل عام.
ولهذا كان مؤتمر 2025 من أكثر الأحداث ترقباً، وكانت الأسواق مستعدة للتفاعل منذ اللحظة التي صعد فيها تيم كوك إلى المسرح.
شرح مؤتمر آبل سبتمبر 2025
حمل مؤتمر هذا العام ثقل التاريخ وتوقعات بأن تثبت آبل قدرتها على الإبهار من جديد.
ما الذي أعلنته آبل؟
على المسرح، عرضت الشركة منتجات بدت بالنسبة للمستخدم العادي مذهلة:
iPhone 17 Air : أول إعادة تصميم رئيسية منذ iPhone X، أنحف وأخف ومصنوع من التيتانيوم.
سماعة AirPods Pro 3: ميزة الترجمة الفورية، وهي أول خطوة من نوعها نحو تواصل لغوي فوري في سماعات أذن يومية.
Apple Watch Series 11: بميزة تعلم آلي جديدة لتنبيه المستخدم إلى مخاطر ارتفاع ضغط الدم.
لماذا خاب أمل المستثمرين؟
رغم كل ذلك، لم يبدُ المستثمرون متحمسين.
حافظت الأسعار على مستوياتها دون زيادة iPhone 17 بسعر 799 دولاراً، والساعة بـ 399 دولاراً، وAirPods بـ 249 دولاراً، مما أثار مخاوف من تراجع الهوامش الربحية في ظل ارتفاع التكاليف والتضخم والرسوم الجمركية.
ارتفع سعر iPhone 17 Pro بمقدار 100 دولار ليصل إلى 1,099 دولاراً، رغم التحسينات في الكاميرا والمعالج الجديد A19 Pro، وهو ما جعل بعض المستثمرين يشكّكون في قدرة التحديثات على تحفيز موجة ترقية واسعة.
كما تضاعفت تكلفة ترقية السعة التخزينية من 100 إلى 200 دولار، مما قد يعزز متوسط سعر البيع لكنه يزيد مخاطر رفض المستهلكين في بيئة إنفاق حذرة.
تأثير الحدث على السهم
ترك مؤتمر سبتمبر 2025 أثراً سلبياً واضحاً على متداولي سهم آبل:
9 سبتمبر: بعد انتهاء المؤتمر، تراجع السهم من 237 دولاراً إلى 234.35 دولاراً، بانخفاض 1.5%.
10 سبتمبر: عمّق السهم خسائره بنسبة 3.23% ليغلق عند 226.79 دولاراً، وهو أكبر هبوط بعد مؤتمر منذ 2017.
11 سبتمبر: أظهرت بيانات ما قبل الافتتاح استقراراً نسبياً، إذ ظل السهم حول 226.79 دولاراً دون أي ارتداد.
إتقان السلوك النفسي
ظاهرياً، القصة بسيطة: المستثمرون خاب أملهم، والسعر تراجع.
لكن ما تحت السطح أكثر تعقيداً.
يعتمد المتداولون، مثل غيرهم، على اختصارات ذهنية لاتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط، تعرف بالانحيازات المعرفية.
ومن أكثرها شيوعاً "انحياز الحداثة" (أوRecency Bias ) وهو الميل لإعطاء وزن مفرط للأحداث الأخيرة على حساب غيرها.
ما هو انحياز الحداثة؟
هو الميل لتضخيم أهمية ما حدث للتوّ وتجاهل السياق الأوسع. في الأسواق، يعني ذلك اتخاذ قرارات بناءً على العناوين الأخيرة أو حركة السعر اللحظية وتجاهل الاتجاهات طويلة الأمد.
في حالة آبل، تركّزت الانتباهات على نقاط محدودة:
غياب تطوير Siri بالذكاء الاصطناعي.
سياسة التسعير المختلطة.
تطبيق انحياز الحداثة في حالة آبل
تعامل العديد من المتداولين مع هذه الإشارات السلبية الحديثة وكأنها ترسم مستقبل الشركة بأكمله، متناسين تاريخ آبل في تجاوز الشكوك المشابهة.
في 2017، عندما شكك البعض في تقبّل الجمهور لسعر 999 دولاراً لهاتف iPhone X، أثبتت الشركة العكس حين أصبح الهاتف الأكثر مبيعاً في دورته.
حين شكك النقاد في قدرة آبل على تنمية قطاع الخدمات، حوّلت الشركة متجر التطبيقات وApple Music وiCloud وApple TV+ إلى مصادر دخل متكررة تجاوزت 85 مليار دولار في 2023.
حتى انتقاد "الانغلاق" في نظام Apple تحوّل إلى ميزة تنافسية، مع تكامل سلس بين الأجهزة والخدمات عزّز الولاء لأكثر من 1.8 مليار مستخدم نشط حول العالم.
دراسة حالة: فقاعة GameStop في 2021
لم تكن ردة الفعل على مؤتمر آبل المثال الوحيد لانحياز الحداثة. في يناير 2021، شهد العالم واحدة من أكثر موجات الضغط القصير دراماتيكية في التاريخ عندما أصبحت GameStop محور جنون استثماري.
تجاهل المتداولون تراجع أساسيات الشركة (انخفاض المبيعات من 9.5 مليار في 2011 إلى 5 مليارات في 2020) وركّزوا
على الإشارات اللحظية:
منشورات موقع Reddit التي صورت السهم كبطل شعبي.
تغريدة من إيلون ماسك بكلمة واحدة: “Gamestonk!”
قفزة مذهلة في السعر من 17 إلى 483 دولاراً خلال 3 أسابيع (+2700%).
لكن ما كان يحدث لم يكن استثماراً عقلانياً، بل سلوك القطيع – وهو انحياز آخر تناولناه سابقاً.
وبمجرد أن حدّت تطبيقات التداول مثل Robinhood من عمليات الشراء في 28 يناير، انهار السهم إلى 90 دولاراً في أوائل فبراير، لتتبخر 80% من قيمته في أيام قليلة.
الفرق بين Apple وGameStop
كانت موجتا البيع في كلٍّ من أزمة GameStop عام 2021 ومؤتمر آبل في سبتمبر مدفوعتين بانحياز الحداثة، لكنهما سارتا في اتجاهين متعاكسين تماماً.
في حالة GameStop، اندفع المتداولون بدافع الحماس الجماعي والموجة الإعلامية. هنا مثّل انحياز الحداثة حالة من مطاردة النشوة، حيث اختلط الحماس المؤقت بالاعتقاد الخاطئ بوجود قيمة طويلة الأمد.
أما في حالة Apple، فالعكس تماماً. تراجع السهم بعد مؤتمر استمر 72 دقيقة فقط، لا لضعف في الأساسيات، بل لأن المستثمرين سمحوا لخيبة أمل لحظية أن تطغى على سجل أداء يمتد لعقود.
الفرق الجوهري؟
أظهرت GameStop كيف يمكن لانحياز الحداثة أن ينفخ شركة ضعيفة في فقاعة مؤقتة، بينما أثبتت آبل كيف يمكن لنفس الانحياز أن يقلل من شأن شركة قوية بعد حدث واحد فقط.
التغلب على الانحياز المعرفي
كيف يمكن للمتداولين مقاومة هذا الانحياز؟
هنا يأتي دور عالم النفس غاري كلاين (Gary Klein)، الذي أمضى عقوداً يدرس كيفية اتخاذ القرار تحت الضغط لدى رجال الإطفاء والأطباء والقادة العسكريين.لاحظ كلاين أن حتى الخبراء يقعون في الفخ نفسه: الثقة المفرطة، ضيق الأفق، وانحياز الحداثة.
وفي عام 2007، طوّر أسلوباً عملياً أطلق عليه التفكير ما قبل الكارثة (Pre-Mortem Thinking).
ما هو التفكير ما قبل الكارثة؟
هي طريقة تساعد المتداولين على كسر سطوة اللحظة واتخاذ قرارات تدوم أبعد من العناوين الآنية.
بدلاً من انتظار فشل الخطة ثم التساؤل "ما الخطأ الذي حدث؟"، يتخيّل الشخص أن الفشل قد وقع بالفعل، ثم يحلل الأسباب المحتملة.هذا التمرين الذهني يغيّر زاوية التفكير:
يحرر الذهن من "الآن" وينقله إلى الصورة الأكبر.
يدفع لتقييم المخاطر بعين أوضح.
يكشف الثقة الزائدة قبل أن تتحول إلى قرارات فعلية.
لو طبّق المستثمرون هذا الأسلوب أثناء فقاعة GameStop، لكان كثير منهم قد تنبّه لانهيار قادم بمجرد تقييد عمليات الشراء.
خلاصة الحكمة
انحياز الحداثة يضيق الأفق ويحوّل حدثاً واحداً أو تغريدة واحدة إلى القصة الكاملة، وكأن اللحظة الأخيرة تحدد المستقبل بأسره.
رأينا ذلك في GameStop حين صنعت الضجة وهماً بالقيمة، وفي آبل حين جعل الإحباط المؤقت البعض يغفل عن القوة الحقيقية للشركة.
فما هو الدرس المستفاد؟
خذ خطوة إلى الوراء.
اختبر القصة مقابل الأساسيات، وانظر إلى الاتجاه الطويل الأمد، واستخدم أدوات مثل التفكير ما قبل الكارثة لتقييم المخاطر قبل أن تقع.
فعندما يهدأ الضجيج، تبقى الصورة الكبرى هي التي تحدد الأداء الحقيقي.
الخلاصة
أين يقف سهم آبل الآن؟
بعد الانخفاض الأولي، استعاد السهم زخمه.
وبحلول 29 سبتمبر، ارتفع إلى 253.57 دولاراً، أي أكثر من 10% في أقل من ثلاثة أسابيع.
بمعنى آخر، لم يتعاف السهم فحسب، بل تجاوز مستوياته قبل المؤتمر.
النمط مألوف: “اشترِ على الإشاعة، وبِع عند الخبر”.
ارتفع السعر قبل الحدث بدافع الترقب، تراجع مع صدور الأخبار، ثم عاد الصعود مدفوعاً بالأساسيات.
الرسالة النهائية؟
القصص القصيرة العمر تتلاشى بسرعة، أما القوة الحقيقية فتبقى. فعلم نفس التداول قد يضخّم العناوين، لكن النجاح الحقيقي هو في معرفة متى بدأت القصة تعود إلى مسارها الطبيعي.
إخلاء مسؤولية:
يرجى ملاحظة أن المعلومات الواردة في هذا المقال كانت دقيقة وقت النشر. قد تتغير ظروف السوق والبيانات الاقتصادية بسرعة. هذا المحتوى لأغراض إعلامية فقط ولا ينبغي اعتباره أساساً وحيداً لاتخاذ قرارات استثمارية.
إنه الوقت المفضل في السنة لعشّاق التكنولوجيا. بالنسبة لهم، فمؤتمر آبل في سبتمبر يُعد بالنسبة لهم أشبه بليلة عيد الميلاد.
ففي مؤتمرها بتاريخ 9 سبتمبر هذا العام، كشفت آبل عن ابتكارات جريئة، من هاتف iPhone Air الجديد إلى ميزة الترجمة الفورية في AirPods Pro 3. وبدا الحدث في ظاهره كعرض مصمم لجذب الانتباه وإطلاق موجة من الزخم.
لكن السوق كان له رأي آخر.
فعلى الرغم من وصف آبل للحدث بأنه "مذهل"، أُغلقت الجلسة بانخفاض سهم الشركة بنسبة 1.5%، تلاها تراجع إضافي بنسبة 3.23% في اليوم التالي. وبحلول 11 سبتمبر، أظهرت السوق إشارات على البحث عن اتجاه واضح، لكن لم تظهر بعد أي إشارات واضحة للتعافي.
فلماذا أثارت هذه الإعلانات الكبيرة الحذر بدلاً من الحماس؟ الحقيقة أن الأمر مرتبط بعلم نفس التداول أكثر من منتجات آبل نفسها.
دعونا نحلّل القوة العاطفية الكامنة وراء الحدث وردّة الفعل التي تلته.


